مع تناسل الأسئلة المحرجة في مبنى الكابيتول ومطالبة نحو 80 عضوًا في الكونجرس بالضغط على المملكة العربية السعودية لرفع حصارها عن اليمن، يفترض ألا يمر وقت طويل قبل أن تكشف الإدارة الأمريكية عن نتائج ملموسة لجهودها من أجل إنهاء صراع دام ست سنوات، وتسبب في ما تصفها الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
لا شك أن استئناف تدفق المساعدات ورفع الحصار سينقذ أرواحا لا تعد ولا تحصى. ومع ذلك فإن هذين الأمرين ليسا في واقع الأمر سوى نتيجة للصراع الدامي في اليمن وليسا سببا فيه. ولذلك فإن معالجتهما لوحدهما لن تنهي الحرب أو تجلب السلام.
كما أن ذلك لن يغير من حقيقة أن خطة وقف إطلاق الن ار المدعومة من إدارة بايدن والسعودية قد تم رفضها من قبل الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 بينما توجه الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى المنفى بالتزامن مع بدء حملة القصف بقيادة السعودية أوائل 2015. وفيما يزدري البعض عناد الحوثيين، فإن الإشكال الحقيقي يكمن في توقع أن تصبح الحلول الدبلوماسية التي فشلت سابقا، فجأة مُجدية في الوقت الحاضر.
لقد ظلت المقاربة الدولية مؤطرة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. القرار، الذي صاغه السعوديون عام 2015، طالب باستسلام الحوثيين غير المشروط للحكومة التي استقرت في منفاها بالرياض. لم يكن من الواقعي أبدًا أن نتوقع انسحاب الحوثيين الذين استولوا على أكثر من نصف البلاد آنذاك وإلقاءَهم السلاح بدون مقابل. ومع سيطرة الحوثيين على المزيد من الأراضي اليوم، فليس من العملي توقع وقف إطلاق النار وفقًا لهذه الشروط التي عفا عليها الزمن.
يجب اقتراح منطق مشجع على الدخول في المفاوضات. إن إنهاء الحصار السعودي للبلاد هو بداية، لكن رسم أفق لترتيبات تقاسم السلطة بعد هذه الخطوة الأولى هو ما سيجعل محادثات السلام ممكنة. بعبارة أخرى، بدلاً من الخلاف مع الحوثيين حول شروط وقف إطلاق النار، يجب على الولايات المتحدة أن تعلن عن رؤية لما يمكن أن تكون عليه التسوية السلمية النهائية.
يقول البعض إن أي علامة على التنازل قد تشجع الحوثيين أكثر على المضي قدمًا في تصعيدهم، كما يتضح من احتدام العنف مؤخرًا حول محافظة مأرب، آخر منطقة مهمة في الشمال لا تزال تحت سيطرة الحكومة الرسمية. ولكن، من المهم أن نفهم أنه مع ارتفاع احتمالات إجراء مفاوضات السلام في عهد الرئيس جو بايدن مقارنة مع سلفه، يحاول الحوثيون تعزيز موقفهم على الأرض. هذا ليس خطأ الإدارة الأمريكية الجديدة، إنها ببساطة طبيعة الحرب ومنطق الأوزان التفاوضية، ولا يقتصر بأي حال من الأحوال على اليمن أو الحوثيين.
يعتقد آخرون أنه لا ينبغي السماح للحوثيين بممارسة أي سلطة على الإطلاق. ولكن يجب أن نتذكر أن السلام يصنع مع الأعداء وليس الأصدقاء. وكما هو الحال في أفغانستان، حيث تفاوضت الولايات المتحدة مع حركة طالبان، تظل الحقيقة القاسية هي الاختيار بين العمل مع مجموعة مُستهجنة أو الاستمرار في الحرب.
إذا أُريد إحلال السلام في اليمن، فلا ينبغي على الولايات المتحدة أن تعالج حصار الموانئ فحسب، بل عليها أيضا –وهذا هو الأهم– أن تضع إطارًا لمفاوضات جادة وذات مصداقية. والخيار الأفضل لتنفيذ ذلك سيكون من خلال رعايتها لقرار جديد في مجلس الأمن. سيبرهن القرار الجديد أن الإطار الدولي الذي أثبت فشله منذ 2015 قد تم التخلي عنه بشكل نهائي.
يمكن لإدارة بايدن أن تبدأ بإسقاط مطالب الاستسلام غير العملية والدفع باتجاه رفع الحصار السعودي. كما ينبغي لها أن تفرض حظرا على الأسلحة على جميع الأطراف المتحاربة في اليمن بما في ذلك حظر تمويل شراء الأسلحة وتكنولوجيا الطائرات المسيرة والصواريخ. لم تحذو بريطانيا وفرنسا حذو الولايات المتحدة في وقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، لكن من المستبعد أن تعارضا قرارًا جديدًا لمجلس الأمن ترعاه واشنطن. صحيح أن قرارات سابقة مماثلة كتلك التي فرضت الحظر على الصومال وليبيا بالكاد أوقفت مبيعات أو توريد السلاح إلى تلك الدولتين، إلا أنها أوقفت بالتأكيد تسليح الجماعات المتحاربة على الأرض من قبل الدول التي يهمها الظهور بمظهر من يحترم القانون الدولي.
يجب أن يطالب أي قرار جديد القوات الأجنبية بمغادرة اليمن. وهذا يعني أن على السعوديين أن يغادروا محافظة المهرة الشرقية، والإماراتيين الجزر الجنوبية في سقطرى وميئون. إن التدخل الخليجي لم ينجح في إعادة الحكومة إلى السلطة بعد سنوات طويلة من إقامتها في المنفى، كما أنه لم يجلب السلام. بل إن تواجد القوات من دول الإقليم أثار صراعات محلية جديدة وساعد على إضفاء الشرعية على سردية الحوثيين القائمة على استهداف السيادة اليمنية. في المقابل، على الحوثيين أن يفهموا أنهم لا يستطيعون الاستمرار في شق طريقهم إلى السلطة من خلال العنف. وكبادرة حسن نية، عليهم إطلاق سراح السجناء السياسيين على الفور.
يجب أن يتصور القرار أيضًا إطارًا أوسع للوساطة يبدأ بالاعتراف بأن هذه لم تكن أبدًا حربًا بين طرفين فقط. هذا يعني أن محادثات السلام يجب أن تشمل الحوثيين والتجمع اليمني للإصلاح –النسخة اليمنية للإخوان المسلمين–، والانفصاليين الجنوبيين والأحزاب السياسية التقليدية والنساء وجماعات المجتمع المدني، وفي الواقع، أي فاعل محلي له مصلحة في مستقبل اليمن أو –للمفارقة– مصلحة في استمرار الصراع. بدون مشاركة كل هؤلاء، بطريقة أو بأخرى، لن يكون السلام مستقرا أبدًا.
أخيرًا ، ومن أجل بناء الثقة في عملية سياسية جديدة، يجب أن يدعو القرار إلى الوقف المتزامن لجميع الأنشطة المسلحة من قبل جميع الأطراف دون شروط مسبقة. لذلك يجب أن يهيئ القرار الظروف لليمنيين للتفاوض فيما بينهم دون تدخل خارجي.
في نهاية المطاف، يعود الأمر لليمنيين لكي يقرروا الشكل الملائم لتقاسم السلطة الذي يكون قابلا للتطبيق. يجب على النخب اليمنية الكف عن الاعتماد المفرط على الأطراف الخارجية لحل مشاكلهم والتوقف عن لومهم على كل الأخطاء التي اقترفت بحق اليمن.
هل سينجح هذا الأمر؟ ليس هناك ما يضمن اعتماد قرار جديد في مجلس الأمن بغض النظر عن محتوياته. وبالمثل، لا يوجد يقين بشأن إمكانية تنفيذه بالكامل على الأرض. ولكن من خلال الترويج لنص جديد، بمطالب عملية جديدة بدلاً من المطالب الخيالية القديمة، سيكون بمثابة إشارة قوية على نية الولايات المتحدة الجادة في إيجاد طرق جديدة لتحقيق السلام للشعب اليمني.